مقدمة:
تواجهنا في مسيرة الحياة مواقف متعددة محملة بالضغوط والصراعات والمشاعر المؤلمة التي قد تهدد استقرارنا النفسي. فكيف يمكننا تجاوز هذه التحديات والتصدي لها؟ تكمن الإجابة في "آليات الدفاع النفسي" – وهي عمليات عقلية لا إرادية وغير واعية، يعمل العقل من خلالها كـ"جندي خفي" يحمينا من القلق ويحافظ على تقديرنا لذواتنا. في هذا المقال، سنستعرض معًا أهم هذه الآليات، وآلية عملها، والحد الفاصل بين دورها الوقائي وتحولها إلى عائق يعوق نمونا الشخصي.
يُعد مفهوم آليات الدفاع (Defense Mechanisms) من أهم إسهامات سيغموند فرويد في فهم السلوك البشري. وطبقًا لما أشار إليه (1959)، فإن هذه الآيات تشمل جميع الاستراتيجيات التي تستخدمها الأنا في مواجهة الصراعات التي قد تؤدي إلى العصاب.
تعمل هذه الآليات على مستوى لا شعوري، ويمكن الاستدلال عليها من خلال ملاحظة الأعراض النفسجسمية، أو السلوك غير المتكيف، أو الهفوات والنسيان الانتقائي، أو تشويه إدراك التهديدات وتحميلها دلالات مخالفة. كما تسهم هذه الدفاعات في تخفيف القلق وتعزيز شعور الفرد بالرفاهية والسعادة.
وفقًا للنظرية التحليل النفسي، فإن النماذج البيولوجية الأولية للدفاعات النفسية تظهر في الطفولة (مثل التجمد والادماج والتجزئة)، ومع التطور النمائي تتحول إلى دفاعات نفسية أكثر تعقيدًا مثل الكبت والتقمص والإسقاط. تؤثر هذه الآليات تأثيرًا عميقًا على كيفية تذكرنا للأحداث وتفسيرنا للواقع، فهي تحدد ما نختار استدعاءه وكيف نفهم ما ندركه.
ما هي آليات الدفاع النفسي؟
عرفها فرويد وغيره من علماء النفس بأنها استراتيجيات لا شعورية تستخدمها الأنا للتوفيق بين مطالب الهو (الدوافع الغريزية) وقيم الأنا العليا (المعايير الأخلاقية)، بهدف تقليل القلق والتوتر الداخلي وحماية الفرد من الضغوط النفسية.
وظائف آليات الدفاع النفسي:
تصنيف آليات الدفاع النفسي:
يلجأ الفرد عادة إلى آليات مباشرة كزيادة الجهد أو تغيير الاستراتيجية أو تعديل الهدف، وإذا لم تكن كافية، فإنه يستخدم آليات دفاعية غير مباشرة (حيلًا عقلية). وإذا فشلت هذه أيضًا، قد يظهر سلوك مضطرب أو غير توافقي.
ومن أبرز هذه الآليات:
1. الكبت (Repression): إبعاد الدوافع والذكريات غير المقبولة خارج نطاق الشعور إلى العقل الباطن.
2. النسيان (Forgetting): نسيان انتقائي للذكريات المؤلمة نتيجة كبتها، وليس النسيان العادي.
3. الإسقاط (Projection): نسب الفرد لعيوبه ودوافعه إلى الآخرين.
4. التبرير (Rationalization): تقديم مبررات مقبولة لسلوك أو فشل غير مقبول.
5. الإزاحة (Displacement): تحويل المشاعر أو الانفعالات من هدفها الأصلي إلى هدف آخر.
6. الانسحاب (Withdrawal): تجنب المواقف المثيرة للتوتر بشكل دائم.
7. التعويض (Compensation): تعويض النقص في مجال بالإنجاز في مجال آخر.
8. التسامي أو الإعلاء (Sublimation): تحويل الطاقة الغريزية غير المقبولة إلى نشاط اجتماعي مقبول ومفيد.
9. الإنكار (Denial): رفض承認 وجود حقائق أو مشاكل مؤلمة.
10. التكوين العكسي (Reaction Formation): إظهار عكس الشعور أو الدافع الحقيقي.
11. العدوان / الانقلاب ضد الآخرين: توجيه العدوان بشكل مباشر أو غير مباشر للسيطرة على تهديد خارجي أو إخفاء صراع داخلي.
12. تزييف الواقع بإعادة التفسير: إعادة تفسير الموقف باستخدام مبادئ عامة لتغيير معناه الانفعالي.
13. الانقلاب ضد الذات: توجيه العدوان والمؤاخذة نحو الذات.
14. العناد (Negativism): معارضة الآخرين وتحديهم كوسيلة لإثبات الذات أو ردًا على معاملة سيئة.
متى تصبح هذه الآليات مشكلة؟
آليات الدفاع النفسي هي سلاح ذو حدين:
خاتمة:
يمثل فهم آليات الدفاع النفسية خطوة جوهرية نحو التعرف على الذات بشكل أعمق. الهدف ليس إدانة هذه الآليات، بل إدراكها ومراقبتها. عندما نتعرف على ميلنا الدائم إلى التبرير أو الإسقاط، فإن هذه المعرفة تمنحنا خيار التغيير: هل نستمر behind جدار الدفاع، أم نتواجه بشجاعة مع المشكلة الحقيقية لنتجاوزها وننمو؟ يذكرنا التسامي (الإعلاء) بأن طاقاتنا يمكن تحويلها إلى إبداع ومنفعة. يمكن أن تساعد الاستعانة بأخصائي نفسي في تحديد هذه الآليات وتحويلها من أدوات للهروب إلى أدوات للقوة والمرونة.
المراجع: