آليات الدفاع النفسي

إنشاء بواسطة خالد أبي زيد في الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي 18 سبتمبر 2025
مشاركة

مقدمة:
تواجهنا في مسيرة الحياة مواقف متعددة محملة بالضغوط والصراعات والمشاعر المؤلمة التي قد تهدد استقرارنا النفسي. فكيف يمكننا تجاوز هذه التحديات والتصدي لها؟ تكمن الإجابة في "آليات الدفاع النفسي" – وهي عمليات عقلية لا إرادية وغير واعية، يعمل العقل من خلالها كـ"جندي خفي" يحمينا من القلق ويحافظ على تقديرنا لذواتنا. في هذا المقال، سنستعرض معًا أهم هذه الآليات، وآلية عملها، والحد الفاصل بين دورها الوقائي وتحولها إلى عائق يعوق نمونا الشخصي.


يُعد مفهوم آليات الدفاع (Defense Mechanisms) من أهم إسهامات سيغموند فرويد في فهم السلوك البشري. وطبقًا لما أشار إليه (1959)، فإن هذه الآيات تشمل جميع الاستراتيجيات التي تستخدمها الأنا في مواجهة الصراعات التي قد تؤدي إلى العصاب.


تعمل هذه الآليات على مستوى لا شعوري، ويمكن الاستدلال عليها من خلال ملاحظة الأعراض النفسجسمية، أو السلوك غير المتكيف، أو الهفوات والنسيان الانتقائي، أو تشويه إدراك التهديدات وتحميلها دلالات مخالفة. كما تسهم هذه الدفاعات في تخفيف القلق وتعزيز شعور الفرد بالرفاهية والسعادة.


وفقًا للنظرية التحليل النفسي، فإن النماذج البيولوجية الأولية للدفاعات النفسية تظهر في الطفولة (مثل التجمد والادماج والتجزئة)، ومع التطور النمائي تتحول إلى دفاعات نفسية أكثر تعقيدًا مثل الكبت والتقمص والإسقاط. تؤثر هذه الآليات تأثيرًا عميقًا على كيفية تذكرنا للأحداث وتفسيرنا للواقع، فهي تحدد ما نختار استدعاءه وكيف نفهم ما ندركه.


ما هي آليات الدفاع النفسي؟


عرفها فرويد وغيره من علماء النفس بأنها استراتيجيات لا شعورية تستخدمها الأنا للتوفيق بين مطالب الهو (الدوافع الغريزية) وقيم الأنا العليا (المعايير الأخلاقية)، بهدف تقليل القلق والتوتر الداخلي وحماية الفرد من الضغوط النفسية.


وظائف آليات الدفاع النفسي:



  • (أ) تهدف جميع آليات الدفاع إلى تحقيق سيطرة وهمية على التهديدات المدركة عندما تكون السيطرة الواقعية غير ممكنة.بعضها يزيف الواقع باستبعاد الأفكار والذكريات والمشاعر من مجال الشعور (مثل الكبت والإنكار والتكوين العكسي)، وبعضها يعدل معنى التهديد (مثل التبرير والمعالجة الفكرية)، والبعض الآخر يحول مصدر التهديد من الذات إلى الآخرين (مثل الإسقاط) أو العكس.هناك أيضًا آليات تعتمد على افتراض أدوار وهمية قوية تدعم شعور الفرد بالسعادة والثقة (مثل التقمص).

  • (ب) المساعدة في التغلب على الصراعات interpersonal غير المحلولة.


تصنيف آليات الدفاع النفسي:


يلجأ الفرد عادة إلى آليات مباشرة كزيادة الجهد أو تغيير الاستراتيجية أو تعديل الهدف، وإذا لم تكن كافية، فإنه يستخدم آليات دفاعية غير مباشرة (حيلًا عقلية). وإذا فشلت هذه أيضًا، قد يظهر سلوك مضطرب أو غير توافقي.


ومن أبرز هذه الآليات:


1.    الكبت (Repression): إبعاد الدوافع والذكريات غير المقبولة خارج نطاق الشعور إلى العقل الباطن.


2.    النسيان (Forgetting): نسيان انتقائي للذكريات المؤلمة نتيجة كبتها، وليس النسيان العادي.


3.    الإسقاط (Projection): نسب الفرد لعيوبه ودوافعه إلى الآخرين.


4.    التبرير (Rationalization): تقديم مبررات مقبولة لسلوك أو فشل غير مقبول.


5.    الإزاحة (Displacement): تحويل المشاعر أو الانفعالات من هدفها الأصلي إلى هدف آخر.


6.    الانسحاب (Withdrawal): تجنب المواقف المثيرة للتوتر بشكل دائم.


7.    التعويض (Compensation): تعويض النقص في مجال بالإنجاز في مجال آخر.


8.    التسامي أو الإعلاء (Sublimation): تحويل الطاقة الغريزية غير المقبولة إلى نشاط اجتماعي مقبول ومفيد.


9.    الإنكار (Denial): رفض承認 وجود حقائق أو مشاكل مؤلمة.


10.                    التكوين العكسي (Reaction Formation): إظهار عكس الشعور أو الدافع الحقيقي.


11.                    العدوان / الانقلاب ضد الآخرين: توجيه العدوان بشكل مباشر أو غير مباشر للسيطرة على تهديد خارجي أو إخفاء صراع داخلي.


12.                    تزييف الواقع بإعادة التفسير: إعادة تفسير الموقف باستخدام مبادئ عامة لتغيير معناه الانفعالي.


13.                    الانقلاب ضد الذات: توجيه العدوان والمؤاخذة نحو الذات.


14.                    العناد (Negativism): معارضة الآخرين وتحديهم كوسيلة لإثبات الذات أو ردًا على معاملة سيئة.


متى تصبح هذه الآليات مشكلة؟


آليات الدفاع النفسي هي سلاح ذو حدين:



  • إيجابية: عندما تُستخدم بشكل مرن ومؤقت لتجاوز الأزمات الحادة.

  • سلبية: عندما تتحول إلى نمط دائم وصلب في التعامل، مما يشوه إدراك الواقع، ويعوق النمو العاطفي، ويتسبب في مشكلات علائقية، وقد يكون علامة على اضطرابات نفسية أعمق.


خاتمة:


يمثل فهم آليات الدفاع النفسية خطوة جوهرية نحو التعرف على الذات بشكل أعمق. الهدف ليس إدانة هذه الآليات، بل إدراكها ومراقبتها. عندما نتعرف على ميلنا الدائم إلى التبرير أو الإسقاط، فإن هذه المعرفة تمنحنا خيار التغيير: هل نستمر behind جدار الدفاع، أم نتواجه بشجاعة مع المشكلة الحقيقية لنتجاوزها وننمو؟ يذكرنا التسامي (الإعلاء) بأن طاقاتنا يمكن تحويلها إلى إبداع ومنفعة. يمكن أن تساعد الاستعانة بأخصائي نفسي في تحديد هذه الآليات وتحويلها من أدوات للهروب إلى أدوات للقوة والمرونة.




المراجع:



  • الدسوقي، مجدي. (2013). قائمة ميكانيزمات أو آليات الدفاع. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

  • العاني، خليل معوض. (2019). الدفاعات النفسية: نظرياتها وقياسها وعلاقتها بالصحة النفسية. دار الغريب.

  • قطايا، ناصر. (2016). آليات الدفاع النفسي وعلاقتها ببعض المتغيرات. مجلة جامعة دمشق للعلوم النفسية والتربوية.


 

التعليقات (0)

مشاركة

update.share_this_post_with_others